الإثنين, 27 يناير, 2020
قبل يومين واجهت الشرعية وجيشها اختبارا صعبا بعد أوسع هجوم يشنه الحوثيون على مواقع القوات الحكومية في جبهة "نِهْمْ"، التي تحتل السلسلة الجبلية الضخمة الفاصلة بين صنعاء ومأرب.
لكن هذه القوات يبدو أنها تتجاوز هذا الاختبار بنجاح، ولكن هذا لا يمنع من تتبع خلفيات هذا الهجوم ولماذا يحدث في هذا التوقيت، وكيف اختلطت فيه الحسابات وتقاطعت المصالح والأجندات.
قبل وقوع هذا الهجوم بأيام قليلة، نشرت المنظومة الإعلامية المساندة للحوثيين في بيروت تقريرا يفيد بأن السعودية أعدت مخططا لاقتحام صنعاء. تبين فيما بعد أن هذ التقرير قصد منه تعظيم النتائج التي ستتحقق ميدانيا فيما لو نجح الحوثيون في تحقيق أهداف الهجوم العسكري الواسع على مواقع القوات الحكومية في نهم وصرواح، أي في قوس يمتد من الجوف إلى مأرب، ويهدف في تحقيق السيطرة الاستراتيجية على أهم معاقل السلطة الشرعية التي تمثلها مدينة مأرب والتحكم في خطوط الإمداد، وجعل موقف الشرعية ضعيفا للغاية، وتثبيت السيطرة السياسية والعسكرية للانقلابيين على أجزاء واسعة من شمال اليمن.
الهجوم الذي نفذه مقاتلو الحوثي في الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، تزامن مع تحركات دبلوماسية قام بها رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن وسفيرا فرنسا وهولندا، وتزامن مع تحركات قامت بها بريطانيا عبر رئيسة دائرة الجزيرة العربية في الخارجية البريطانية التي زارت الرياض منتصف الأسبوع الماضي، إلى جانب تكثيف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث تحركاته بين الرياض وصنعاء.
ما من شك في أن الحوثيين استغلوا بشكل جيد التراجع الكبير لنشاط طيران التحالف خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتحقيق أهداف جيوسياسية مهمة، بغية تقوية موقفهم التفاوضي مع المملكة العربية السعودية دون سواها، بعد جولات من اللقاءات السرية التي جرت بين الطرفين، وشهدت زيارات لقيادات حوثية إلى الرياض، وزيارات مماثلة لموفدين سعوديين إلى صنعاء، وفقا لمصدر يمني يتمتع بعلاقات جدية مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في المشهد اليمني.
لكن المحادثات شهدت تراجعا وربما جمودا، فأراد الحوثيون من خلال هذا الهجوم أن يظهروا مجددا كأقوياء ومتحكمين بسير المعارك وتوقيتها، ومن ثم يستطيعون أن يفرضوا شروطهم في أية مفاوضات مقبلة مع السعودية باعتبارهم دولة تحكم في صنعاء، وليس طرفا سياسيا يحاول أن يحصل على موقع في حكم اليمن، علما بأن هذه المحادثات تجري دون علم من السلطة الشرعية، ومن المؤكد أن مخرجاتها ستكون على الضد من المصالح الثابتة للسلطة الشرعية، ومن الالتزام الظاهري الذي يبديه التحالف تجاه هذه السلطة.
الزاوية التي يتعين أن ننظر من خلالها إلى التطورات العسكرية الخطيرة التي واجهتها القوات الحكومية في أهم الجبهات الحاكمة؛ نرى منها أن هذا الهجوم الحوثي الواسع لم يكن بالقوة بحيث يجبر القوات الحكومية على الانسحاب من عدة مواقع في هذه الجبهة، فما الذي حدث إذا؟
تُفيذ معلومات ذات مصداقية بأن اختراقا قد وقع لمنظومة الاتصالات التي يستخدمها الجيش هي التي سمحت بتمرير أوامر بالانسحاب المفاجئ، حتى من مواقع بعيدة عن الاشتباك المباشر مع المهاجمين الحوثيين.
فهل تم هذا الاختراق استنادا إلى الخبرات التقنية وحدها لمجموعة الخبراء الذين يقدمون الإسناد اللوجستي للحوثيين في صنعاء، ومعظمهم إيرانيون أو تابعون لحزب الله اللبناني، أم أن تخادما قد جرى بين الحوثيين وأطراف في الشرعية؟
فوسط حالة عدم اليقين بشأن سلامة التنسيق القائم بين القوات الحكومية والتحالف الذي تقوده السعودية، فإن ثمة من يذهب إلى أن اختراق منظومة الاتصالات ربما يكون عملا مدبرا من أطراف في معسكر الشرعية يعملون تحت مظلة التحالف.
والهدف المقبول منطقيا هو خلق حالة إرباك مسيطر عليها في جبهة حساسة كجبهة نهم، تجعل القائمين على هذه الجبهة في موقف لا يستطيعون معه مقاومة الترتيبات التي تجري لتمكين قيادات أعدت لتسلم مهام القيادة العسكرية في الجبهة الواقعة شرق العاصمة صنعاء.
الذي يدفع إلى القبول بهذا التفسير هو هذا الدعم المفاجئ من معسكر الرئيس السابق علي عبد الله صالح لمعارك نهم، بينما كان إلى وقت قريب جدا ينظر دائما إلى هذه الجبهة وإلى الجيش الوطني نظرة عدائية، ويستمر في التقليل من كفاءة الجيش الوطني ومن الإنجازات التي حققها، خصوصا في جبهة نهم.
محاولة تمكين قادة عسكريين لا ينتمون إلى المنظومة السياسية التي قاتلت الحوثيين طيلة السنوات الخمس الماضية، لها مقدمات منطقية، ومنها استحداث ما تسمى بقيادة العمليات المشتركة، وإسناد قيادتها لأحد القادة العسكريين الموالين للرئيس السابق.
ومن هذه المقدمات استدعاء قائد القوات المشتركة في الساحل الغربي، العميد طارق محمد عبد الله صالح، إلى الرياض، وحماس هذا الأخير الكبير تجاه معركة نهم الأخيرة.
وإلى هذه اللحظة لا يتوفر يقين بأن المعارك التي استعادت عافيتها شرق العاصمة صنعاء يمكن أن تعكس إرادة حقيقية لدعم المرحلة الثانية من الحرب وصولا إلى صنعاء، لأنه إن حدث ذلك فيمكن للمرء أن يتجاوز كل التعقيدات المرتبطة بمآلات المعركة على المستوى السياسي، فالمخاوف السعودية من سيطرة محتملة لقوى ثورة التغيير والذين لا تراهم سوى "إخوان مسلمين"، ينذر بمآلات سيئة للغاية تتهدد مستقبل اليمن واليمنيين.
* مقال للكاتب في موقع عربي 21
لكن هذه القوات يبدو أنها تتجاوز هذا الاختبار بنجاح، ولكن هذا لا يمنع من تتبع خلفيات هذا الهجوم ولماذا يحدث في هذا التوقيت، وكيف اختلطت فيه الحسابات وتقاطعت المصالح والأجندات.
قبل وقوع هذا الهجوم بأيام قليلة، نشرت المنظومة الإعلامية المساندة للحوثيين في بيروت تقريرا يفيد بأن السعودية أعدت مخططا لاقتحام صنعاء. تبين فيما بعد أن هذ التقرير قصد منه تعظيم النتائج التي ستتحقق ميدانيا فيما لو نجح الحوثيون في تحقيق أهداف الهجوم العسكري الواسع على مواقع القوات الحكومية في نهم وصرواح، أي في قوس يمتد من الجوف إلى مأرب، ويهدف في تحقيق السيطرة الاستراتيجية على أهم معاقل السلطة الشرعية التي تمثلها مدينة مأرب والتحكم في خطوط الإمداد، وجعل موقف الشرعية ضعيفا للغاية، وتثبيت السيطرة السياسية والعسكرية للانقلابيين على أجزاء واسعة من شمال اليمن.
الهجوم الذي نفذه مقاتلو الحوثي في الثامن عشر من كانون الثاني/ يناير الجاري، تزامن مع تحركات دبلوماسية قام بها رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن وسفيرا فرنسا وهولندا، وتزامن مع تحركات قامت بها بريطانيا عبر رئيسة دائرة الجزيرة العربية في الخارجية البريطانية التي زارت الرياض منتصف الأسبوع الماضي، إلى جانب تكثيف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث تحركاته بين الرياض وصنعاء.
ما من شك في أن الحوثيين استغلوا بشكل جيد التراجع الكبير لنشاط طيران التحالف خلال الأشهر الثلاثة الماضية لتحقيق أهداف جيوسياسية مهمة، بغية تقوية موقفهم التفاوضي مع المملكة العربية السعودية دون سواها، بعد جولات من اللقاءات السرية التي جرت بين الطرفين، وشهدت زيارات لقيادات حوثية إلى الرياض، وزيارات مماثلة لموفدين سعوديين إلى صنعاء، وفقا لمصدر يمني يتمتع بعلاقات جدية مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في المشهد اليمني.
لكن المحادثات شهدت تراجعا وربما جمودا، فأراد الحوثيون من خلال هذا الهجوم أن يظهروا مجددا كأقوياء ومتحكمين بسير المعارك وتوقيتها، ومن ثم يستطيعون أن يفرضوا شروطهم في أية مفاوضات مقبلة مع السعودية باعتبارهم دولة تحكم في صنعاء، وليس طرفا سياسيا يحاول أن يحصل على موقع في حكم اليمن، علما بأن هذه المحادثات تجري دون علم من السلطة الشرعية، ومن المؤكد أن مخرجاتها ستكون على الضد من المصالح الثابتة للسلطة الشرعية، ومن الالتزام الظاهري الذي يبديه التحالف تجاه هذه السلطة.
الزاوية التي يتعين أن ننظر من خلالها إلى التطورات العسكرية الخطيرة التي واجهتها القوات الحكومية في أهم الجبهات الحاكمة؛ نرى منها أن هذا الهجوم الحوثي الواسع لم يكن بالقوة بحيث يجبر القوات الحكومية على الانسحاب من عدة مواقع في هذه الجبهة، فما الذي حدث إذا؟
تُفيذ معلومات ذات مصداقية بأن اختراقا قد وقع لمنظومة الاتصالات التي يستخدمها الجيش هي التي سمحت بتمرير أوامر بالانسحاب المفاجئ، حتى من مواقع بعيدة عن الاشتباك المباشر مع المهاجمين الحوثيين.
فهل تم هذا الاختراق استنادا إلى الخبرات التقنية وحدها لمجموعة الخبراء الذين يقدمون الإسناد اللوجستي للحوثيين في صنعاء، ومعظمهم إيرانيون أو تابعون لحزب الله اللبناني، أم أن تخادما قد جرى بين الحوثيين وأطراف في الشرعية؟
فوسط حالة عدم اليقين بشأن سلامة التنسيق القائم بين القوات الحكومية والتحالف الذي تقوده السعودية، فإن ثمة من يذهب إلى أن اختراق منظومة الاتصالات ربما يكون عملا مدبرا من أطراف في معسكر الشرعية يعملون تحت مظلة التحالف.
والهدف المقبول منطقيا هو خلق حالة إرباك مسيطر عليها في جبهة حساسة كجبهة نهم، تجعل القائمين على هذه الجبهة في موقف لا يستطيعون معه مقاومة الترتيبات التي تجري لتمكين قيادات أعدت لتسلم مهام القيادة العسكرية في الجبهة الواقعة شرق العاصمة صنعاء.
الذي يدفع إلى القبول بهذا التفسير هو هذا الدعم المفاجئ من معسكر الرئيس السابق علي عبد الله صالح لمعارك نهم، بينما كان إلى وقت قريب جدا ينظر دائما إلى هذه الجبهة وإلى الجيش الوطني نظرة عدائية، ويستمر في التقليل من كفاءة الجيش الوطني ومن الإنجازات التي حققها، خصوصا في جبهة نهم.
محاولة تمكين قادة عسكريين لا ينتمون إلى المنظومة السياسية التي قاتلت الحوثيين طيلة السنوات الخمس الماضية، لها مقدمات منطقية، ومنها استحداث ما تسمى بقيادة العمليات المشتركة، وإسناد قيادتها لأحد القادة العسكريين الموالين للرئيس السابق.
ومن هذه المقدمات استدعاء قائد القوات المشتركة في الساحل الغربي، العميد طارق محمد عبد الله صالح، إلى الرياض، وحماس هذا الأخير الكبير تجاه معركة نهم الأخيرة.
وإلى هذه اللحظة لا يتوفر يقين بأن المعارك التي استعادت عافيتها شرق العاصمة صنعاء يمكن أن تعكس إرادة حقيقية لدعم المرحلة الثانية من الحرب وصولا إلى صنعاء، لأنه إن حدث ذلك فيمكن للمرء أن يتجاوز كل التعقيدات المرتبطة بمآلات المعركة على المستوى السياسي، فالمخاوف السعودية من سيطرة محتملة لقوى ثورة التغيير والذين لا تراهم سوى "إخوان مسلمين"، ينذر بمآلات سيئة للغاية تتهدد مستقبل اليمن واليمنيين.
* مقال للكاتب في موقع عربي 21